باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

مساعد البشير الجديد.. رائد العمل التنظيمي السري وكاتم الأسرار

1٬936

تمَّ أمس الأربعاء، تكليف وزير ديوان الحكم الاتحادي د. فيصل حسن إبراهيم، بمنصب نائب رئيس الحزب الحاكم في السودان للشؤون التنظيمية، ومساعداً لرئيس الجمهورية. بعد ان أعفى المكتب القيادي للمؤتمر الوطني – في وقت متاخر من ليل أمس – نائبَ رئيس الحزب ومساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود، من منصبه، في اجتماع عقد برئاسة رئيس الجمهورية ورئيس حزب المؤتمر الوطني، عمر البشير.

د. فيصل لفت الانتباه مؤخراً، حيث يعد من القلائل الذين احتفظوا بمواقعهم في التشكيل الحكومي الأخير متجاوزاً هوة اللوائح التنظيمية الجديدة التي سقط في فيها كل من أمضى دورتين. واستطاع فيصل الاحتماء بحائط صد صلد، في مواجهة رياح التغيير العاتية، التي اقتلعت أقوى العناصر السياسية للإنقاذ، وذهبت بكل ما تحمله من نجومية مستحقة في ملعب السياسة إلى مقاعد الفرجة، فمن هو فيصل؟!!

عُرف عن د. فيصل حسن إبراهيم أنه صاحب شخصية قوية ومعتد برأيه، تحمل ملامح وجهه صرامة لا تخطئها عين، قليل الكلام بعيد عن الثرثرة السياسية، قليل التبسم، تكاد تغيب عن حياته اليومية ملامح الفرح وعلامات السرور، يحتفظ بمساحة من الوصل مع مجايليه وترفّع مع من هم أقل منه تجربة وعمراً.
لديه جرأة نادرة في المواجهة وقسوة في الخصومة، إن نازل أجهز على خصمه السياسي وهزمه، لا يعرف الوسط في عدائه فهو إما منتصر أو مهزوم، والأمران لديه سيان.. يتمتع بخاصية ترتيب الأوراق المبعثرة، وحبك خطط الإقصاء الناعم، ويوصف بالتنفيذي المرتب.
البدايات السعيدة
البيئة على ما يبدو أدت دوراً ملحوظاً في تشكل شخصية الرجل، بحكم أنه ابن البادية المعطاءة، فتميز بالعفة وطهر اليد والصلابة والانفعال، تزامن مولده بقرية “البحرية” في محلية أم دم حاج أحمد مع استقلال البلاد في عام 1956م. والده كان أفندياً بحكم أنه رجل شرطة فتنقل به وإخوته في أماكن عدة، لتتوزع مراحله التعليمية الأولية والثانوية بين الأبيض والنهود.
فيصل انتمى لأسرة منتمية للخدمة المدنية والاغتراب، فكان شقيقه محمد معلماً بإحدى دول الجوار بينما ظل شقيقه إبراهيم ممتهناً للأعمال الحرة. أما زوجته السيدة خديجة سعد فهي تعمل في وظيفة “ضابط إداري”، رزق منها فيصل بثلاثة أبناء: محمد ومهند ومصعب، وثلاث من البنات هن: إيناس وشيماء وعفراء وجميع أبنائه يعملون في القطاع الخاص.

مراحل السلطة
وصوله إلى السلطة لم يكن وليد صدفة أو محض سلالم تُجتاز عبر حملات مسبقة من التحشيد المدون في دفاتر العلاقات العامة، ففي حالة فيصل حسن إبراهيم كان الأمر تطوراً طبيعياً؛ فهو ابن الحركة الإسلامية، ويعد من البدريين الذين كانت لهم صولات وجولات في معارك السياسة الفاصلة منذ التحاقه بتنظيم الإسلاميين. الفتى تخرج من كلية البيطرة في جامعة الخرطوم وهو أحد أعضاء المكتب الأربعيني لاتحاد الجامعة، في وقت كان فيه رائداً للعمل التنظيمي السري وكاتم أسرار الإخوان وأحد مصادر تأمينهم إبان سنوات المجازر والاعتقالات خلال الحقبة المايوية.
عقب وصول الإنقاذيين للسلطة عُيِّنَ فيصل وزيراً في ولاية واراب، ومثلت تلك المرحلة أولى عتبات الرجل في ساحة الممارسة التنفيذية، وتجربة لقياس مدى التجرد والجلد وتأديب الذات وتنوع بيئة العمل وفق المعايير التي صممها زعيم الإسلاميين الراحل حسن الترابي. نجاحه في مهمته وتكاليفه كانت محفزاً لمكافأته بتعيينه وزيراً للزراعة ونائباً لوالي الخرطوم لمدة خمسة أعوام متصلة.
ولعل أبرز ما حققه في وزارة الزراعة بالولاية تطبيق المزارع الإنتاجية في العاصمة التي كانت تعاني ندرة في الألبان واللحوم والدواجن. في تلك الفترة التي عاصر فيها فيصل والي الخرطوم المتعافي آنذاك، كانت العواصف كثيرة وتُهدر بكابينة الحكم في الولاية لجهة أن الأسماء المحيطة بالوالي كانت من العيار الثقيل، ففيهم من رأى نفسه والياً، وآخرون رأوا في أنفسهم البديل الناجح، وبين هذا وذاك كانت تجاذبات الخلافات وبوادر الغيرة والحسد تشل كل تحرك إيجابي، ليقرر المتعافي وقتها التخلص منهم واحداً بعد الآخر قبل أن يغيرهم بضربة لازب معفياً الأقوياء من أمثال فيصل والراحل عبد الوهاب عثمان والحاج عطا المنان، في مفاجأة غير متوقعة؛ كما تقول الراويات المتداولة يومذاك.

 

وزارة الحكم اللامركزي
وصل د. فيصل إلى وزارة الحكم اللامركزي عقب تجربتين طويلتين: أولاها في حكم ولاية شمال كردفان، وهي الأصعب، لما واجه فيها من تحديات عدّة من بينها واقع اجتماعي متحرك على رمال الجهوية وتقاطعات قبلية بغطاء من المظالم وخطاب التهميش السياسي والخدمي، وقلة في الكوادر السياسية والتنفيذية ذات الدربة والتجربة والضيم المركزي في قسمة الموارد ودفع فواتير التنمية؛ والثانية في قطاع الثروة الحيوانية، التي كانت منصة لانتقاده بعد أن شغلها لما يقارب نصف العقد من الزمان.
قدومه لوزارة الحكم اللا مركزي التي تجيء في المرتبة الثانية من حيث الأهمية الوزارية بعد وزارة رئاسة الجمهورية، جعلت الرجل يستدعي كل تجاربه السابقة، وكأنه اختير بعناية لهذا الموقع أو كأنه تطابق تماماً مع شخصيته الصارمة التي تميل للحسم؛ فكان متمسكاً بمنهجه لكونه رجلاً تنفيذياً شديد الاهتمام بالتفاصيل والترتيب ويجيد المتابعة القاسية وملاحقة مرؤوسيه بالتحفيز والعقاب. ومن الصدف غير النادرة أن اجتمعت في يديه سلطة الإشراف على الولايات بكل ما يليها من تفاصيل وقوة الحزب بعد أن شغل في ذات الوقت موقع رئيس قطاع التنظيم بالمؤتمر الوطني، وهو القطاع الذي يعتبر مطبخ القرارات وبهاتين السلطتين أحكم فيصل قبضة حديدية على الولايات ومكاتب الحزب الحاكم فيها وأخضع (15) والياً، وأكثر من (923) وزيراً ولائياً و(157) عضواً تشريعياً ينتمي لحزبه، ليكونوا تحت سلطاته المستمدة من رئاسة الجمهورية. فسَنَّ من اللوائح المنظمة للعمل ما اعتبره البعض على مقاس الصغار وناشئة العمل التنظيمي والسياسي، فلا مقابلات للرئيس أو نوابه أو مساعديه دون المرور على مكتبه في الوزارة ووضع التفاصيل على طاولته ولا تمرد أو عراقيل.

(5) أسباب عجلت بمغادرة محمود

السبب الأول أن وجود م.إبراهيم محمود في منصب نائب رئيس المؤتمر الوطني، جاء لأسباب طارئة بالأصل بهدف احتواء الأجواء الخلافية التي تصاعدت عقب انتخابات عام 2015م، هو ما دعا قيادة الحزب للبحث عن شخصية وفاقية لتسكين وتهدئة الأزمة الداخلية، وهو ما انتفت الحاجة إليه حالياً باعتبار أن الأزمات ما تزال قائمة بالتالي لا للشخصية الوفاقية نعم للشخصية الحاسمة.
السبب الثاني في تقدير البعض يرتبط بالمقدرات التنظيمية، فالمهندس لم يتمكن من إحكام قبضته على مفاصل الحزب، وشهدت فترته كثيراً من التفلتات والخلافات سواء في المركز أو الولايات، ولعل أبرزها خلافات الجزيرة والبحر الأحمر وجنوب دارفور؛ بجانب أنه استعان بكادر قيادي محدود المقدرات والتجارب السياسية والتنظيمية، ما انعكس بصورة واضحة على أداء الحزب وتراجع حضوره السياسي، ولم يعد الحزب في عهده واضعاً للسياسات أو متابعاً لها. ولم يستطع محمود كبح جماح الأزمة الداخلية، بل إن أحد أبرز تيارات الحزب اتهم التيار الآخر باختطاف المؤسسات التنظيمية واتهم محمود بموالاة تيار د.نافع علي نافع.

ابراهيم محمود

السبب الثالث بحسب الكثيرين في الإطاحة بإبراهيم محمود جاء نتيجة ما يُعرف بصراع مراكز القوى والتسابق الخفي نحو النفوذ والهيمنة، الأمر الذي دفع قيادات بارزة للإحجام عن العمل تحت إمرة إبراهيم محمود أو مساعدته على إنفاذ برنامج الحزب، وهو ما انعكس في فشل مشروع الحزب في الاعتماد على تنمية استثماراته وموارده المالية الذاتية بعد قرار رئيس الجمهورية بعدم الصرف على الحزب من خزانة الدولة. ولعل الدليل الحي على ذلك تمثل في فشل النفرة المالية التي أطلقها المؤتمر الوطني لجمع اشتراكات الأعضاء، بما في ذلك بعض رجال الأعمال المنتمين لعضوية الحزب فلم يفوا بالتزاماتهم المالية، ولم يتمكن إبراهيم محمود من إكمال مقر الحزب بعد أن تشتَّتَتْ أماناته المركزية خارج أسوار المركز العام وفتحت أبواباً جديدة للصرف باستئجار مكاتب ومقار للأمانات وصرف آخر للتسيير.
السبب الرابع هو إدراك قادة المؤتمر الوطني بأن استمرار إبراهيم محمود يعني خسارة مؤكدة للحزب في الانتخابات المقبلة، بعد أن تسرب الإحباط لأعضاء الوطني بضعف الحزب وغيابه القاعدي في الأحياء والمدن بجانب إدراك حاجة الحزب لرجل قوي ومهاب ومقنع للعضوية لتنظيم صفوف الحزب وإعادة ترتيب أوراقه الداخلية المبعثرة.
السبب الخامس هو أن إبراهيم ترك أمر مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية في يد أحزاب حكومة الوفاق الوطني والقوى الاجتماعية التي أطلقت حملة قومية لإعادة ترشيح رئيس الجمهورية المشير عمر البشير في الانتخابات المقبلة، مكتفياً بالتفرج إزاء ذلك الحراك السياسي الكثيف الذي نقل الساحة الداخلية مبكراً لقضية الانتخابات الرئاسية والتشريعية، متأخراً بذلك كثيراً عن إصدار موقف مواكب لتطلاعات السودانيين والقوى السياسية الأخرى في ترشيح البشير، ولم يقدم على أي إجراءات تنظيمية متعلقة بإعداد سجل انتخابي دقيق ومحكم للناخبين المنتمين للوطني لتقدير موقف الحزب، ولم تبادر المؤسسات في عهده بإطلاق عملية سياسية عبر اتصال سياسي مع الأحزاب لبحث ترتيبات الانتخابات، وما يتصل بها من إجراءات دستورية، بل إنه وعندما أُتيحت الفرصة لتدارك الأمر في مؤتمر الشورى، أجهض مقترح ترشيح البشير. وهو ما اعتبرته قيادات بارزة في المؤتمر الوطني خطوة غير موفقة أضاعت على الحزب جهداً سياسياً كبيراً سيُنفقه في حشد التأييد الحزبي لترشيح البشير بعد بروز اتفاق القوى السياسية أو معظمها على البشير.

*نقلاً عن السوداني

التعليقات مغلقة.

error: