باج نيوز
موقع إخباري - أخبار اراء تحليلات تحقيقات بكل شفافية
Baraka Ins 1135*120

سمية سيد: زراعة الأمل

856

كلام صريح

 

احتارت قريبتي  من عدم تجاوب طفلها ذي الثلاث سنوات  لما يدور حوله من أصوات وأنه لا يلتفت للنداء ..كانت الصدمة قاسية عندما قال لها الطبيب ..كيف يرد عليك وهو أصلا لا يسمع ماذا تقولين .أخبرها الطبيب أن وحيدها يعاني من الصمم ويحتاج إلى زراعة قوقعة.

بدأت رحلة البحث عن العلاج ..لم يكن متوفراً بالسودان ..جمعت الأسرة كل ما تملك من مال وذهبت إلى إحدى دول الجوار لكنها رجعت أكثر فقداً للأمل لأن تكلفة زراعة القوقعة تصل إلى أكثر من مائة ألف جنيه. رجعت الخرطوم وليس أمامها غير الدموع، والرجاء.

تذكرت هذه الواقعة الأليمة عند إعلان افتتاح مستشفى الأنف والأذن والحنجرة بولاية الخرطوم بأفضل الأجهزة، حيث تم تدشين إجراء عمليات القوقعة للأطفال مجاناً وبدأ التدشين بإجراء 11 عملية تحت إشراف الخبير الأمريكي فرس الزغبي.

فعلاً إنها بداية زراعة الأمل لمئات الأسر السودانية التي فقد صغارها نعمة السمع، وحالت ظروفهم المادية من إيجاد الحل عبر زراعة القوقعة.

كان لبروفسير ماأمون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم دور كبير من خلال اهتمامه الشخصي بهذه القضية التي تؤرق شريحة كبيرة في المجتمع ..فإنشاء مستشفى تخصصي في مثل ظرف بلادنا الاقتصادي ليس بالأمر السهل ولا الميسور، حيث يمثل التمويل أكبر عقبة لتنفيذ المشروعات المهمة. لكن حميدة وبما عرف عنه من مبادرات نجح وتمكن من قهر الإمكانات المادية ليجعل  الحلم حقيقة..حلم أسرة تتطلع أن يسمع طفلها ويستجيب لنداء اسمه..

اعترف أنني لا أجيد الكتابة عن الأشخاص ولا أعرف استدعى المفردات التي تدعو إلى تمجيد فلان أو علان. لكن المتابع لمجريات الأمور في السودان بكل تفاصيلها يدرك أن أي إنجاز لا تحركه النظم والسياسات العامة بقدر ما أنه يحسب للمجهودات الفردية.

معلوم أن النظام الصحي في بلادنا معقد جداً نظراً لطبيعة الخدمات المقدمة وأيضاً لكثير من التقاطعات بين المركز والولايات. لذلك تجد مفارقات كثيرة جداً في القطاع الصحي بين ولايات السودان المختلفة وغالباً يكون النجاح حسب الوزير واجتهاداته الشخصية وبروفسير مأمون حميدة جمع ما بين الخبرة الطويلة ورؤية العلماء.

تمويل النظام الصحي كله من الخدمات العلاجية والوقائية والبنى الأساسية الخاصة بتشييد المستشفيات والمراكز الصحية وغيرها من الخدمات من أصعب أنواع التمويل بالنسبة للدولة خاصة وأن أضعف بنود الميزانية هو ما يذهب للقطاع الصحي بحيث لا يتجاوز الـ 5% لكن وبرغم ذلك استطاعت ولاية الخرطوم أن تنشئ أكثر من 250 مركزاً صحياً موزعة جغرافياً وسكانياً على كافة المحليات  وبمواصفات عالية بل أن الولاية شهدت إنشاء مراكز صحية تختلف عما كانت عليه في السابق ..المركز الصحي في الحي كان يتكون عادة من غرفتين ولا يوجد بها غير ممرض يباشر الكشف وإعطاء الدواء للمرضى.

وشهدت الخرطوم أيضاً افتتاح  عدد مقدر من المستشفيات التي استهدفت الأطراف وقدمت خدمات علاجية مميزة لشرائح كبيرة ..لذلك فإن الاتجاه نحو إنشاء مستشفيات متخصصة اتجاه صحيح كما تم بالنسبة لمستشفى الأنف والأذن والحنجرة.

برغم التوسع الكبير الذي تشهده ولاية الخرطوم من حيث الكثافة السكانية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية وتوقع الناس للمزيد من الخدمات وتطورها، غير أن القطاع الصحي شهد إنجازات ضخمة في مجالات الصحة الأولية والعلاج المجان للأطفال دون الخامسة ولغسيل الكلى، وعمليات الولادة القيصرية وغيرها من الخدمات.

مواطنو الولاية لا يزالون بانتظار المزيد لتكون الخرطوم بديلا أفضل للعلاج بالخارج  لكافة أبناء السودان. وإن كان من مطلب ملح وسريع فهو التفات السيد وزير الصحة إلى حال القمسيون الطبي السيئ الذي لا يشبه الخرطوم.

 

التعليقات مغلقة.

error: